في عالم تتقاطع فيه الثقافات وتذوب فيه الحدود بين الهويات، برز مصطلح الأوتاكو كأحد أكثر الأوصاف إثارةً للجدل والاهتمام في الوقت ذاته. ومن الخطأ ان نظن أنها مجرد كلمة تشير لمحبي الأنمي والمانجا، بل هي عنوان لحالة نفسية واجتماعية، وأحيانًا فلسفة حياة يتبعها الكثيرون بلا وعي. لكن ما معنى كلمة أوتاكو في مكنونها؟ كيف نشأت؟ ولماذا يختلف المعنى داخل اليابان وخارجها؟
أصل ومعنى كلمة “أوتاكو”
كلمة أوتاكو “オタク” تُستخدم في أصلها اللغوي الياباني بصيغة الاحترام وتعني “منزلكم” أو “مقامكم” (ويكيبيديا اليابانية). كما وكانت تستعمل في الخطاب المهذب للإشارة للآخرين. لكن في سياق ثقافي معين في اليابان خلال ثمانينيات القرن الماضي، بدأت الكلمة تخرج عن سياقها. أصبح يشار بها إلى الأشخاص المنعزلين عن المجتمع والذين يقضون أوقاتهم في متابعة الأنمي أو جمع المانغا أو الانغماس في ألعاب الفيديو. وبالتدريج، تحول معنى كلمة أوتاكو لمفهوم اجتماعي يبرز الهوس العميق في اهتمامات معينة.
التحول من الوصف السلبي إلى الهوية الثقافية
في اليابان، كان كانت كلمة أوتاكو تحمل نظرة سلبية لفترة طويلة. وبالتحديد بعد أحداث متطرفة ارتبطت ببعض من أُطلق عليهم أوتاكو، ساهمت هذه الأفعال في ترسيخ صورة نمطية تربط الأوتاكو بالعزلة و الانفصال عن الواقع. وبمرور الوقت وبدأت هذه النظرة تتغير بشكل ايجابي وذلك ترافقاً مع تزايد الاهتمام العالمي بالثقافة اليابانية.
أما خارج اليابان، وتحديدا في العالم العربي والغربي، بدأت كلمة “أوتاكو” تُستخدم بشكل مختلف. فلم تعد مرتبطة بالسلبية، بل أصبحت علامة فخر أو انتماء لجماعة تهتم بالأنمي والمانغا والموسيقى اليابانية وغيرها من فروع الثقافة اليابانية الحديثة. كثير من الشباب اليوم يعرفون أنفسهم كأوتاكو، وذلك لأنهم وجدوا في هذا العالم مساحة للتعبير عن شخصياتهم وهويتهم.

أنواع الأوتاكو
كلمة أوتاكو لا تشير إلى نوع واحد من الاهتمامات، بل تشمل عدة جوانب، وهي:
- أوتاكو الأنمي: يتابع الأنمي بشغف، يحلل الحبكات، ويهتم بكل ما هو جدي في هذا المجال.
- أوتاكو المانغا: قارئ شغوف لقصص المانغا، يمتلك مكتبة من مجلدات المانجا وعادة ما يحفظ أسماء الرسامين والمؤلفين.
- أوتاكو الألعاب: يقضي ساعات طويلة أمام شاشات الألعاب، يهتم بكل تفاصيل عالم الألعاب، قد تجده احياناً يتابع بثوث الالعاب والبطولات.
- أوتاكو الكوسبلاي: يتقمص شخصياته المفضلة ويجسدها على ارض الواقع، يرتدي نفس الملابس التي اشتهرت بها الشخصية ويتصرف مثلها.
وبالطبع لا ينحصر المفهوم على ما سبق بل يمد كذلك ليشمل أوتاكو التكنولوجيا أوالتاريخ وغيرها الكثير: نعم، فالهوس قد يمتد إلى أي مجال يمكن أن يصبح لشغف عميق. القاسم المشترك بينهم هو: الانغماس، والاهتمام الذي يتجاوز حدود “الهواية” إلى ما يشبه الإدمان.

الأوتاكو في العالم العربي: انتماء يتخطى حاجز اللغة
من الواضح أن العالم العربي شهد في السنوات الأخيرة انتشارًا ملفتاً لثقافة الأوتاكو. وذلك مع انتشار منصات مثل كرنشي رول، ونتفلكس، ويوتيوب، التي بدورها سهّلت الوصول للمحتوى الياباني.
في الوقت نفسه، ظهرت مجتمعات رقمية ومهرجانات محلية، مثل كوميكون-ComiCon- السعودية ومعرض الانمي السعودي، وانتشار مجموعات وصفحات على فيسبوك وتويتر لتبادل النقاشات حول آخر أخبار الأنمي و المانجا.
هذا الانتشار الواسع لم يكن نتاج تسلية او تمضية وقت، بل أتى من شعور أعمق من ذلك. فالأوتاكو العربي يجد في الأنمي ساحة تعكس توجهاته وتعبر عما بداخله، بعوالمه الخيالية التي تجسد تطلعاته وطموحه، أو صداقات رقمية تمنحه شعور بالانتماء.

هل من العيب أن تكون أوتاكو؟
“هل أن تكون اوتاكو أمر جيد أم سيئ؟” تساؤل ليس في محله، السؤال المهم هو “لماذا يحكم على الناس من خلال شغفهم؟”. الحقيقة أن الأوتاكو، كغيره من الانتماءات، يمكن أن يكون صحيًا أو مفرطًا. من الجيد أن يعشق الإنسان شيئًا بكل كيانه، لكن حين يتحول هذا الشغف لعزلة أو هروب من الواقع، عندها عليك أن تتوقف لحظة وتفكر في واقعك.
الأوتاكو… مرآة العصر الرقمي
وفي الختام، يمكنك القول أن “الأوتاكو” ليس مجرد تصنيف، بل هو أقرب لظاهرة اجتماعية وثقافية تعبّر عن الإنتماء، والبحث عن عالم بديل يجد الانسان ذاته فيه. وفي زمن أصبحت فيه الهويات مركّبة، والانتماءات عابرة للحدود، يبدو الأوتاكو كوجه من وجوه الإنسان الحديث: ذكي، فضولي، وعاطفي… منطوٍ بعض الشئ لكنه صادق في مشاعره.