الغيشا: الوجه الغامض للثقافة اليابانية

الغيشا الوجه الغامض للثقافة اليابانية

عندما تذكر اليابان، يتخيل الكثيرون فتاة ترتدي كيمونو مزخرف، بمكياج أبيض مبالغ فيه، وتحمل في يدها مروحة. هذه الصورة النمطية غالبًا ما ترتبط بـ “الغيشا”. لكن من هم الغيشا؟ وهل ما يتم تداوله عنهم صحيح؟، سنجيب في هذه المقالة عن كل ما يدور في ذهنك عن الغيشا.

من هي الغيشا؟

كلمة غيشا (芸者)  تعني حرفياً “فنان” أو “شخص يمتهن الفنون”. والغيشا هنّ نساء متخصصات في الفنون التقليدية اليابانية، مثل الرقص، والموسيقى، والشعر، والمحادثة الراقية. كما ويعملن كمضيفات في المناسبات الخاصة والمجالس الرفيعة، ويتم طلبهن عادة لإضفاء جو من الأناقة والثقافة على هذه الجلسات.

وما يجب التنويه له أن الغيشا لسن عاهرات، كما يظن البعض. بل إن عملهن يتطلب تدريبًا طويلًا في مجالات متعددة، يبدأ منذ سن المراهقة ويستمر لسنوات.

ما معنى كلمة “غيشا”؟

“غيشا” تتكون من مقطعين:

  • غي (芸) وتعني “فن”.
  • شا (者) وتعني “شخص”.

أي أن الكلمة تعني “الشخص الفنان”.

ماذا تمثل فتاة الغيشا

تعتبر فتاة الغيشا رمز للجمال والانضباط، والثقافة الراقية، والهوية اليابانية التقليدية. تجسد لوحة حية، تجمع بين الحرفية والهدوء والإتقان. في الثقافة مجتمع اليابان وثقافته، ينظر للغيشا على أنها تجسيد للأناقة والتقاليد.

وفي كتاب الحياة اليومية في اليابان التقليدية يقول المؤرخ الياباني إيتو كينيا:

“الغيشا ليست امرأة عادية، بل مرآة تعكس أرقى ما في الثقافة اليابانية من رقص وشعر وأدب.”

(المصدر: كتاب “الحياة اليومية في اليابان التقليدية”، جامعة طوكيو)

الفرق بين الغيشا والمايكو

باختصار المايكو هي مرحلة التدريب والشباب، بينما تعد الغيشا مرحلة الإحترف والنضج الفني في الفنون التقليدية اليابانية. وفيما يلي سنستعرض الفروقات بين المايكو والغيشا من حيث المرحلة المهنية والعمر والخبرة والمظهر:

المايكو (舞妓)

  • هي غيشا تحت التدريب، عادة تبدأ هذه المرحلة في سنة صغيرة بين 15 الى 20 عام.
  • تعني كلمة مايكو “الطفلة الراقصة” حيث ترتكز هذه الفترة على تعلم الرقصة والعزف وفنون الضيافة اليابانية.
  • تستمر فترة التدريب لعدة سنوات قبل ان تصبح غيشا محترفة.
  • مظهر المايكو يعد أكثر شباباً وزخرفة من الغيشا، حيث ترتدي كيمونو (着物) ملون وزاهي مع حزام طويل يسمى دار اري نو أوبي (Darari no Obi – だらりの帯) يصل للكاحل.
  • تمتلك تسريحة شعر معقدة تزينها الكثير من دبابيس الشعر (簪).
  • مكياج المايكو يميل للأبيض مع لمسات حمراء، وغالباً ما تستخدم أحمر الشفاه على الشفة السفية فقط في سنواتها الأولى من التدريب.
مقال ذا صلة:  الأسبوع الذهبي في اليابان

الغيشا (芸者)

  • ترتدي كيمونو بلون هادئ وزخرفات بسيطة، وحزام أقصر يسمى ناغويا اوبي (Nagoya Obi – 名古屋帯).
  • تتميز بتسريحات شعرها الأبسط والأقل زخرفة من المايكو، وفي العادة تستخدم شعر مستعار يسمى كاتسورا (Katsura – かつら).
  • تستخدم مكياج أبسط مع نسبة أقل من الحمرة، وتلون شفتيها بلون قرمزي غامق.
الفرق بين الغيشا والمايكو
الفرق بين الغيشا والمايكو

هل الغيشا صينيون

لا. الغيشا يابانيات خالصات من حيث الأصل والتكوين الثقافي. يحدث هذا الخلط بين الثقافة الصينية والغيشا بسبب تشابه المظهر الخارجي والأزياء التقليدية التي ترتديها الغيشا، فتاريخ الغيشا نشأ في اليابان في القرن الثامن عشر للميلاد، وبالتحديد في مدن مثل كيوتو وطوكيو.

ومن الجدير بالذكر أن الصين لديها تقاليدها الفنية الخاصة، مثل “الكونكوبين” أو نساء القصر في عهد الإمبراطوريات.

فتاة الغيشا
فتاة الغيشا

لماذا تريد الفتيات أن يصبحن غيشا

بعض الفتيات يخترن هذا الطريق بدافع الحب للفنون التقليدية، أو رغبة في الحفاظ على هذا التراث المهدد بالاندثار. سابقاً، كانت بعض العائلات تدخل بناتها إلى بيوت تدريب الغيشا (الأوكييا) لأسباب اقتصادية، لكن اليوم أصبحت دوافع المهنة اختيارية ونادرة.

في مقابلة مع صحيفةJapan Times  عام 2021، قالت غيشا تُدعى “سايوري”:

“ليس المال ما يجذبنا إلى هذا العالم، بل شغفنا بالجمال، والانضباط، والإرث الذي نحمله معنا.”

(المصدر: The Japan Times, مقابلات مع غيشا كيوتو، 2021)

نساء الغيشا: بين الخيال والواقع

حياة الغيشا ليست سهلة كما يظن البعض. فالتدريب يبدأ منذ سن صغيرة، ويشمل تعلم العزف على “الشاميسن”، والمشي بطريقة معينة، والتحدث بأدب راقٍ. كما أن المظهر المميز الأيقوني يتطلب ساعات من التحضير.

ويذكر أيضاً أن الغيشا يحافظن على استقلال مالي واجتماعي، ولا يتم اجبارهن على الزواج أو العلاقات. في الواقع، الكثير منهن يعشن حياة مستقلة تماماً.

الغيشا

متى تتقاعد فتاة الغيشا

ليس هناك سن تقاعد رسمي متعارف عليه لفتاة الغيشا في اليابان، فعمل الغيشا يعتمد على مهاراتها الفنية ورغبتها وحالتها الصحية. غالباً ما تبدأ المتدربة في سن صغيرة ويطلق عليها “مايكو”، وتصبح غيشا في سن 20 عاماً. وفيما بعد تستمر في عملها طالما كانت قادرة ولديها الرغبة بذلك.ويمكنها أن تختار أي سن تراه مناسباً لترك هذه الحياة. فليس هناك سن محدد ويذكر أن هناك غيشا شهيرات استمررن في هذه المهنة حتى سن متقدمة.

مقال ذا صلة:  ما هي المانجا - كل ما تود معرفته عن القصص المصورة اليابانية

الفرق بين الغيشا والأويران

ببساطة الأويران (花魁) هنّ نساء يعملن في بيوت الدعارة الراقية خلال فترة إيدو. صحيح أنهن كنّ يرتدين ملابس جميلة ويُتقنّ الفنون، لكن وظيفتهن الأساسية كانت مختلفة تمامًا عن الغيشا.

الفرق الجوهري أن الغيشا فنّانات محترفات، بينما الأويران كنّ يعملن في مهنة الجنس.

كما أن أسلوب اللباس يختلف:

    الغيشا ترتدي الكيمونو بشكل بسيط، مع الحزام (الأوبي) مربوط في الخلف، بينما الأويران يربطنه في الأمام، وكان زينتهن أكثر صخبًا ومبالغ فيها بشكل واضح.

أسئلة شائعة عن الغيشا

هل الغيشا بائعات هوى؟

لا، الغيشا لسن عاهرات كما يظن من ليس لهم اطلاع على الثقافة اليابانية،  بل هن فنانات يمثلن جزء من التقاليد اليابانية وثقافتها. نسأت هذه الفكرة عن الغيشا من أفلام هوليوود، وكذلك نتيجة للخلط بين الغيشا والأويران.

هل تتزوج الغيشا؟

طالما تعمل الفتاة كغيشا يجب أن تبقى عزباء، فلا يمكنها الزواج فهي حرفيا تسخر حياتها لمهنتها. فإذا ارادت الزواج فعليها ترك مكانها كغيشا ولا يمكنها العودة كغيشا (قوانين كيوتو المتعارف عليها). أما في طوكيو فتختلف القواعد فيمكنها ان تمارس كونها غيشا اثناء الزواج.

ما هو راتب الغيشا والمايكو؟

تتكوف الجهة التي تتعاقد مع المايكو بكامل نفقات اقامتها وتدريبها، وتقوم المايكو بتسديد هذه الالتزامات ما ان تبدأ في الأداء. لا تتقاضى المايكو رابت حيث انها لم تصبح غيشا كاملة بعد ولكن ذلك لا يعني انها لا تتقاطى بدلاً صغيراً في بعض الأوقات.

أما بخصوص الغيشا فإنها تحصل على أجر يعتمد على حجم العمل الذي تؤديه، وبالطبع هذا يعتمد على مهارتها وشعبيتها. رواتب الغيشا غير محددة فقد تتراوح بين 2000- 10000 دولار أمريكي وغالبا ما تتلقى الهدايا وعدد من الأغراض الفاخرة من زبائنها.

لماذا وجه الغيشا أبيض؟

يعود السبب لاستخدام المكياج الأبيض لاظهار ووجه الغيشا بشكل أثر وضوح تحت ضوء الشموع، ومع تطور الانارة ما زالت هذه الممارسات التجميلة قائمة واصبحت مظهر مميز تعرف به الغيشا.

الخلاصة

الغيشا ليست مجرد زي تقليدي أو وجه مدهون بالأبيض. هي مهنة، فن، وتاريخ. تمثل الغيشا فصلًا من فصول اليابان التي لا تزال تقاوم الزوال وسط التطور المتسارع في العالم الحديث.

قد يكون من الصعب أن نفهم لماذا تختار فتاة هذا الطريق الشاق، لكن يكفي أن ندرك أن هناك من ما زلن يؤمنّ بأن في العالم متسعًا للجمال المنضبط.

المراجع

  • كتاب “الحياة اليومية في اليابان التقليدية”، جامعة طوكيو
  • : The Japan Times مقابلات مع غيشا كيوتو، 2021

0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التعليقات المضمنة
عرض جميع التعليقات
Scroll to Top